أخبار التقنية

الثمن الخفي للذكاء الاصطناعي.. مايكروسوفت تبني مراكز بيانات وتدفن الكربون في باطن الأرض لإنقاذ سمعتها

في قلب ثورة الذكاء الاصطناعي التي نعيشها اليوم، والتي تقودها شركات عملاقة على رأسها مايكروسوفت، هناك حقيقة مقلقة تختبئ خلف الكواليس. فكل عملية بحث، وكل صورة يتم توليدها، وكل نموذج لغوي يتم تدريبه، يتطلب قوة حاسوبية هائلة، وهذه القوة تأتي من مراكز بيانات عملاقة تلتهم الطاقة وتنمو بسرعة تفوق الخيال. هذا السباق المحموم نحو المستقبل التكنولوجي وضع مايكروسوفت في ورطة حقيقية، حيث أصبح نجاحها التجاري هو نفسه الذي يهدد سمعتها البيئية ويقوض أحد أهم تعهداتها المناخية.

قبل سنوات قليلة، في عام 2020، قطعت الشركة على نفسها وعدًا جريئًا أمام العالم: أن تصبح “سلبية الكربون” بحلول عام 2030، أي أنها ستزيل من الغلاف الجوي كمية من الكربون تفوق ما تنتجه. لكن الواقع كان له رأي آخر. فمنذ ذلك التعهد، وبسبب التوسع غير المسبوق في بناء مراكز البيانات، ارتفعت انبعاثات الشركة الكربونية بنحو الربع، مما جعل هدف 2030 يبدو بعيد المنال. وفي العام الماضي وحده، أنتجت مايكروسوفت ما يقرب من 14.9 مليون طن متري من انبعاثات الغازات الدفيئة، وهو أكثر من ضعف ما تأمل أن تصل إليه في عام 2030.

لذلك، وفي محاولة يائسة لعلاج هذا الوضع، لجأت مايكروسوفت إلى حل جذري ومكلف: شراء كميات هائلة من “أرصدة إزالة الكربون”. لم تعد الشركة تكتفي بالاستثمار في الطاقة المتجددة، بل أصبحت تدفع المليارات لشركات متخصصة تعمل على سحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء بشكل فعلي. ومؤخرًا، أعلنت عن صفقة ضخمة لشراء ما يقارب 4.9 مليون طن متري من أرصدة إزالة الكربون من شركة تعمل بآلية تشبه “شركات النفط العكسية”.

هذه التقنية المبتكرة تقوم بجمع النفايات الصلبة، مثل حمأة الصرف الصحي المعالجة أو المخلفات الورقية، وتمزجها في سائل كثيف، ثم تحقنه في صخور مسامية في أعماق الأرض. وباستخدام تقنيات تم تطويرها أصلًا في مجال استخراج النفط والغاز، يتم حبس الكربون بشكل دائم في باطن الأرض ومنعه من العودة إلى الغلاف الجوي. هذه الصفقة ليست الوحيدة، فقد أبرمت مايكروسوفت اتفاقيات أخرى، إحداها لإعادة زراعة مساحات شاسعة من الغابات في الولايات المتحدة، وأخرى لالتقاط الكربون مباشرة من مداخن مصانع الورق.

لماذا تشتري مايكروسوفت أرصدة إزالة الكربون بكميات ضخمة؟

ارتفعت انبعاثاتها بسبب التوسع الهائل في بناء وتشغيل مراكز البيانات اللازمة لثورة الذكاء الاصطناعي. وللتعويض عن هذا النمو، تقوم الشركة بشراء ملايين الأطنان من أرصدة إزالة الكربون من شركات متخصصة تعمل على سحب الكربون من الهواء وتخزينه.

تجد مايكروسوفت نفسها اليوم عالقة بين مطرقة النمو التكنولوجي وسندان التزاماتها المناخية. إنها تدفع ثمن نجاحها حرفيًا، وتستثمر في تقنيات دفن الكربون لإنقاذ كوكب الأرض، وإنقاذ تعهدها الذي كاد أن يضيع في خضم سباق الذكاء الاصطناعي المحموم.

زر الذهاب إلى الأعلى